أربع شخصيات بصمت تاريخ المغرب المعاصر
كتبها – المصطفى اسعد
ليس من السهل الكتابة عن أربع شخصيات طبعت تاريخ المغرب المعاصر ببصمتها بالسياسة والفكر والفن ، فعدد الشخصيات التي مرت من المغرب وتركت ذاك الطابع بالآلاف ولكل منهم نقاط قوة وأشياء جديرة لعمل تماثيل لهم وليس فقط الكتابة عنهم ، لكن الاختيار جاء على أربع شخصيات مهمة في تاريخ المغرب المعاصر منهم من قضى نحبه ومنهم من لازال على قيد الحياة .
بالسياسة المغربية لا يمكن أن يتقدم شخص على الحسن الثاني أما بالفسلفة فمحمد عابد الجابري سيد الأمر وبالفكر والعلوم المستقبلية يعتبر المهدي المنجرة الأفضل دوليا وليس وطنيا فقط ، أما بالمجال الفني فالعميد عبد الوهاب الدكالي الذي أطرب ولا زال لن ينساه عشاق الموسيقى الجميلة والهادفة .
الحسن الثاني : ملك ليس ككل الملوك
ولد الحسن الثاني بالرباط يوم 9 يوليو 1929دخل الحياة السياسة بعد وفاة والده محمد الخامس يوم 26 فبراير 1961 حيث تم تنصيبه ملكا. درس القانون بالرباط وحصل على الشهادة فيه في مدينة بوردو الفرنسية .
كان يقوم بعدة مهام وهو ولي للعهد ونفي مع والده محمد الخامس من طرف الاستعمار إلى كل من كورسيكا ومدغشقر وهذا ما ألهب شرارة انتفاضة شعبية كبرى خاصة بعد تعيين الاستعمار ابن عرفة ملكا على المغرب والذي نجا من محاولة اغتيال من طرف أحد المقاومين يدعى علال بن عبد الله
تعرض الملك الراحل للعديد من محاولات الاغتيال في الـ38 سنة التي قضاها في الحكم، وكانت محاولة "الصخيرات" 1971 ومن بعدها محاولة "القنيطرة"1972 من أبرز ما واجهه الملك الحسن أظهر خلالها قوة الملك وصلابته وضبطه لمؤسسة الحكم بالمغرب والتي لازالت أعمدتها قائمة الى الآن .
يرجع إليه الفضل في سياسة بناء السدود التي استطاع بها توفير الاكتفاء الذاتي من المياه والفلاحة وكذلك بناء مسجد الحسن التاني بالدار البيضاء فوق المياه وهو معلمة دينية ضخمة بالعالم العربي .
تميز بذهاء سياسي كبير وبقوة في اتخاد القرارات ومواجهة الصعاب ، فأهم حدث قام به هو المسيرة الخضراء حيث طالب المغرب وبشدة في بداية السبعينيات ضم الصحراء المغربية التي كانت تحت السيطرة الإسبانية، وتوج الأمر بمسيرة تم خلالها ضم الصحراء. ضمت تلك المسيرة 350 ألف مغربي ومغربية اجتازوا حدود "الصحراء المغربية" يرفعون المصاحف الشريفة والعلم المغربي. في السنة نفسها انسحبت أسبانيا من الصحراء بعد تجزيئها حسب معاهدة مدريد إلى: ثلثين للمغرب (الساقية الحمراء) وثلث لموريتانيا (وادي الذهب) تفاديا لحدوث نزاع بين الدولتين.
عرف الملك الراحل الحسن الثاني بأناقته وخطابته وكان معجب بفكر الفيلسوف ميكيافيلي وقال أن كتابه "الأمير"من أحسن ما قرأ في حياته , كان صاحب لسان فصيح ظل راسخ في وجدان المغاربة ولازالت خطبه حاضرة في مخيلة الجميع سواء الموالين أو المعارضين لنظام حكمه نظرا لتميزه ودهائه بحيث كان يتحدث في خطبه بدون ورقة ويوجه رسائل قوية في ظروف صعبة
عرف الملك الحسن الثاني بدوره في حل المشاكل على المستوى العالمي, وفراسته في قضية الشرق الأوسط ومشاركة المغرب في حرب أكتوبر.
اختلف معه الكثير وأحبه الكثير لكن الأكيد في بحثنا بتاريخه وحكاياته أنه ملك استطاع لعب دور محوري في تاريخ المغرب المعاصر ويعتبر مدرسة حقيقية في شؤون الحكم والسياسة والديبلوماسية .
توفي الحسن الثاني سنة 1999 إثر نوبة قلبية لينتقل الحكم كما هو في الدستور المغربي إلى الابن الأكبر سنا وهو محمد السادس.
محمد عابد الجابري : فيلسوف سخر حياته لتحليل العقل العربي
ولد محمد عابد الجابري سنة 1936 بفكيك، مفكر وفيلسوف ، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار”.
حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في عام 1967 ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط. عمل كمعلم بالابتدائي (صف أول) ثم شغل أستاذ للفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب بالرباط.
ويعتبر المرحوم من أهم المفكرين العرب الذين تركوا بصمة واضحة في الأدب والفكر والفلسفة العربية المعاصرة .
استطاع محمد عابد الجابري عبر سلسلة نقد العقل العربي القيام بتحليل للعقل العربي عبر دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي وهو مبتكر مصطلح "العقل المستقيل"، وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى. وفي نهاية تلك السلسلة يصل المعلم إلى نتيجة مفادها أن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة الإبتكار.
منهجه لم يكن مدخلا سياسيا ولا اقتصاديا بل أبستملوجيا، إذ يرى أنه لا نهضة دون تحصيل آلة إنتاجها أي العقل الناهض. ولا يمكن تحصيل هذا الفكر القادر على صناعة النهضة دون نقد للعقل العربي وبحث صيرورته التاريخية وتحديد المفاهيم المتحكمة في بنيته، من أجل بيان الحاجة إلى عصر تدوين جديد يؤسس للعقل نظامًا معرفيًا قادرًا على الاستجابة للتحديات الراهنة.
كان قياديا بارزا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لمدة طويلة، قبل أن يستقيل من الحزب في أبريل 1981، ويعتزل العمل السياسي ليتفرغ للإنتاج الفكري والفلسفي .
إعلاميا كان للجابري إنتاج ونشاط بارز ، حيث اشتغل في جريدة "العلم" ثم جريدة "المحرر"، وساهم في إصدار مجلة "أقلام"، وكذا أسبوعية "فلسطين" التي صدرت عام 1968.
له العديد من المؤلفات منها : نحن والتراث ، العصبية والدولة ، تكوين العقل العربي ، بنية العقل العربي ، العقل السياسي العربي ، العقل الأخلاقي العربي ...
حصل على العديد من الجؤائز مثل جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو. و الجائزة المغاربية للثقافة بتونس و جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، مؤسسة MBI تحت رعاية اليونسكو و جائزة الرواد مع مؤسسة الفكر العربي ببيروت وكذلك ميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة ، وجائزة ابن رشد للفكر الحر .
ونظرا لمواقفه واحترامه لفكره وثقافته اعتذر عن العديد من الجوائز مثل جائزة الرئيس صدام حسين 100 ألف دولار ، جائزة المغرب مرارا ، جائزة الشارقة التي تمنحها اليونسكو 25 ألف دولار ، جائزة العقيد القذافـي لحقوق الإنسان 32 ألف دولار ، واعتذر كذلك عن العضوية في أكاديمية المملكة المغربية مرتين مع تأكيده في المرة الأولى على تفضيله البقاء ضمن موقعه في المعارضة، وككاتب بهذه الصفة.
المهدي المنجرة : عالم المستقبليات الذي اعتمدت عليه اليابان وهمشه المغرب
يعتبر المهدي المنجرة من أبرز المثقفين والمفكرين والعلماء المغاربة والعرب , وأحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية.
حاز على أكثر من جائزة في أكثر من بلد، جال كثيرا من دهاليز المنظمات الدولية وبلغ بداخلها أسمى المناصب وندد بمواقفها في قضايا الحاضر والمستقبل، على المستوى العربي والدولي، ولد بالرباط يوم 13 مارس 1933, أتم دراسته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية، عمل مستشارا وعضوا في العديد من المنظمات والأكاديميات الدولية.
ساهم في تأسيس أول أكاديمية لعلم المستقبليات، وترأس خلال أربعين سنة أكبر معهد للأبحاث المستقبلية والإستراتيجية في العالم، ويعتبر أكبر خبير مستقبليات على مستوى العالم.
عرف بمواقفه النضالية تجاه ملك المغرب الحسن الثاني رغم أنه كان زميله في الدراسة ، وعرضت عليه وزارة المالية والوزارة الأولى لكن رفضهما، وتعرض لهذه الأسباب للمنع من إلقاء المحاضرات في المغرب.
تولى عمادة الجامعات اليابانية في التسعينات، وتولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية.
اشتهر بكونه المؤلف الذي نفذت طبعة كتاب له في اليوم الأول من صدورها، واعتبرت كتبه الأكثر مبيعا في فرنسا ما بين 1980 و 1990.
يؤلف في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ويهتم بالخصوص بقضايا الحقوق والعولمة والقيم والاستراتيجيا والتنمية وثنائية التطور والتخلف.
يتقن عدة لغات ويؤلف بالعربية والفرنسية والإنجليزية واليابانية.
يقول غسان الكشوري في مقالة له تحت عنوان أحلام تخيف الحكام... المهدي المنجرة نموذجا :" إذا قمنا بإطلالة على أي كتاب للمهدي المنجرة نجد كلماته عن المستقبل تفكك واقعا مهيبا تجـذرَ وتحجـرَ(نفسيا) عملاقا لا يمكن أفوله. كما نكتشف أيضا أن الرجل عاش ماضيا وحاضرا في كل تفاصيله الدولية الكبرى والداخلية الصغرى دون أن يغفل دوره كفاعل آو كذات في تبني ملامح المستقبل، فقبل أن ينشد التغيير انطلق من نفسه بارتِهان التغيير إلى المفكر كشرط أساسي لا مناص من تجاوزه لاحتواء ثقل المستقبل وما يحمله من عبئ، خصوصا على جيل محكوم عليه بالنظر إلى الوراء أكثر من تفاؤله أو تطلعه إلى متطلبات مرحلته. والحكام “رهنوا مستقبلنا دون تحرير ماضينا والتحكم في حاضرنا. لذا سنتقـدم عما قريب لا محالة لأنه لم يعد هناك مجال للتراجع إذ بلغنا الحدود”.
ألف المهدي المنجرة أكثر من 500 مقالة بالعلوم الاقتصادية، السوسيولوجية والإنسانية ،ومن أهم كتبه : من المهد إلى اللحد، الحرب الحضارية الأولى ، القدس العربي .. رمز وذاكرة، عولمة العولمة ، انتفاضات في زمن الذلقراطية ، الإهانة في عهد الميغاإمبريالية و قيمة القيم.
عبد الوهاب الدكالي : مطرب لكل الأجيال وعميد للأغنية المغربية
يعتبر الموسيقار المغربي عبد الوهاب الدكالي ، من عمالقة الطرب الكلاسيكي المغربي والعربي الأصيل ولد سنة 1941 و نشأ بمدينة فاس، حيث تلقى دروسا في الموسيقى والتمثيل والرسم مند الصغر. بدأ حياته الفنية سنة 1957.
سجل أول أغنية له عام 1959. ومن تم واصل الدكالي تألقه ونجاحاته حيث حاز على العديد من الجوائز والأوسمة.
فاز بالأسطوانة الذهبية عن أغنيته {ما انا إلابشر} ، والجائزة الكبرى لمهرجان الأغنية المغربية بالمحمدية سنة 1985 عن أغنيته {كان ياماكان} ، و الجائزة الكبرى لمهرجان الأغنية المغربية بمراكش عام 1993 عن أغنية {أغارعليك} ، كما فاز بالجائزة الكبرى بمهرجان القاهرة سنة 1997 عن أغنيته {سوق البشرية} .
اختير كأفضل شخصية بالعالم العربي لعام 1991، في استفتاء أجرته مجلة «المجلة» التي تصدرها الشركة السعودية للأبحاث والنشر. و قد تم تكريمه من طرف الفاتيكان في مناسبتين. ويعتبر عبدالوهاب الدكالي من أكثر الفنانين عطاءً نظراً لتواجده على الساحة الفنية منذ أكثر من نصف قرن.
للفنان ريبيرتوار غنائي جد كبير وزاخر بمعزوفات مهمة من أبرزها : الثلث الخالي ، سوق البشرية ، كان يا مكان ، كتعجبني ، ما أنا الا بشر ، لا تتركيني ، مرسول الحب ، لهلا يزيد كثر ، رجانا في الله ، بي ولا بيك ، حبيبي يا وطني ، حبيب الجماهير ...
وشارك بعدة أفلام أبرزها ، أين تخبئون الشمس؟ والحياة كفاح .